الإِرشاد البحري
الإِرشاد البحري maritime pilotage هو المساعدة التي يقدمها بحارة متخصصون في مرفأ أو مرسى أو منطقة بحرية معينة لربابنة السفن عند دخول ميناء ما، أو عند الخروج منه، أو في المراسي، أو في بعض الممرات المائية أو الأنهار أو القنوات.
يعود الإِرشاد البحري إِلى أعماق التاريخ، وقد مارسه الفينيقيون، وهو قديم في المؤسسات المرفئية العريقة التي كانت تضَع رجالاً ذوي خبرة بحرية محلية في خدمة الربابنة، ليقدموا معلوماتهم عن طريقة الوصول إِلى تلك المرافئ، وهم الذين كانوا يسمون بالمرشدين الساحليين.
وفي العصور الوسطى أدى توسع المناطق الملاحية إِلى إِيجاد صنف آخر من المستشارين البحريين الذين عرفوا باسم «مرشدي أعالي البحار» على السفن القائمة بالملاحة البعيدة. وكان ثمة تفريق بين وظائف رئيس البعثة التجارية أو العسكرية والملاحين والفلكيين من «مرشدي الأعالي». ولم ينته هذا الوضع إِلا تدريجياً بدءاً من القرن السابع عشر عندما اكتسب ضباط البحرية الحربية والتجارية تأهيلاً علمياً أفضل. فمنذ أواسط القرن الثامن عشر لم يبق سوى صنف المرشدين الساحليين، الذين يعملون في الميناء نفسه أو في المنطقة البحرية نفسها ولكنهم كانوا يمارسون عملهم بأسلوب تعاوني قائم على الخبرات الشخصية، وانتهى الأمر إِلى تنظيمات مهنية ذات خطوط مشتركة بين مختلف الأقطار البحرية.
الأخطار الملاحية
إِذا كان الإنسان الضال في البحر على ظهر قارب، أو السابح الذي يصارع الأمواج، يتزايد أمله كلما اقترب من الشاطئ، فالأمر ليس كذلك في السفن، ولاسيما الكبيرة منها، فسلامتها أن تبقى في لج البحر بعيدة عن الشاطئ، حيث تكمن أخطار كثيرة في الاقتراب منه. والأخطار الملاحية التي تهدد السفن قرب الشواطئ تختلف باختلاف مصادرها: فهناك الأخطار الخفية كالصخور المغمورة على عمق قليل من سطح الماء والرُّبا البحرية، والأعماق الضحلة، وحطام السفن الغارقة. وثمة نوع آخر من الأخطار يمكن أن يصادفها الملاح كالتيارات البحرية المتولدة من المد والجزر، أو الأنهار الجارية أو الرياح، أو التيارات ذات المنشأ البعيد القادمة من أعالي البحار. وللمد والجزر أهمية كبيرة في البلاد التي يعظم فيها الفرق بينهما، حيث يتجاوز في بعض الأماكن والأوقات عشرة أمتار، مما يجعل بعض المناطق الملاحية غير صالحة لإِبحار السفن في أثناء الجزر عندما تصبح الأعماق ضحلة. ولابد من حسابات خاصة لمعرفة الساعة من اليوم التي ترتفع فيها مياه المد وتمكن السفن من العبور كما هي الحال على شواطئ المحيط الأطلسي.
وهناك الرياح المحلية التي يمكن أن تكون لها خصائصها بسبب العوارض الجغرافية على الشاطئ، ويختلف اتجاهها وقوتها بحسب الوقت في اليوم. ومن الطبيعي أن تزداد الخطورة في أثناء الضباب والعواصف والطقس السيئ، إِذ تكثر حوادث جنوح السفن أو غرقها.
الخصائص العامة لأنظمة الإِرشاد
فيما عدا القليل من مرافئ العالم، يعد الإِرشاد إِلزامياً في مناطق معينة للسفن التي تتجاوز حمولتها، أو يتجاوز طولها، حداً معينا.
فعند وصول السفينة إِلى منطقة الانتظار تستقبلها السلطة المختصة، وبعد أن تعطي السلطة السفينة حرية العمل free pratique يتولى المرشد قيادة السفينة لإِدخالها الميناء. وعندما لا تسمح حالة البحر بصعود السلطة ظهر السفينة يمكن للمرشد أن يصعدها بموافقة رئيس الميناء captain of the port، وأن يقودها إِلى الرصيف، وعندها يقوم رجال السلطة المختصة بوظائفهم.
فإِدخال السفينة وترصيفها وربطها وإِقلاعها من الصلاحيات الحصرية لمرشدي المرافئ ويتم ذلك وفقاً للقواعد التالية:
- هناك استثناءات من الإِرشاد الإِلزامي تُمنَحها بعض الفئات من السفن كالسفن، الحربية وسفن الخدمات الحكومية. أما الإِعفاء المستند إِلى حجم السفينة فيختلف باختلاف هذا الحجم بين مرفأ وآخر. ففي كثير من البلاد تعفى السفن التي حمولتها المسجلة دون مئة طن، وفي مرفأ كوبنهاغن مثلاً يكون الإِرشاد إِلزامياً فوق الـ 800 طن. وهناك سفن تعفى لترددها المنتظم إِلى الميناء، مرة في الأسبوع مثلاً على الأقل، كالعبّارات أو المعدّيات التي تدفع رسوماً مخفضة.
- يلبى طلب الإِرشاد للدخول أو الخروج في أي يوم وأي ساعة بناءً على طلب مشغل السفينة أو وكيلها، ويصعد المرشدون السفن بالدور.
- يترتب على عدم التقيد بإِلزامية الإِرشاد جزاءات نقدية فقط.
- تخضع ممارسة المهنة إِلى شروط من الأهلية تزداد شدة بتزايد حمولة السفينة وتعقيدات أجهزتها.
- يحسب رسم الإِرشاد تبعاً للمسافة والغاطس والحمولة المسجلة الصافية، ويرجع تحديد الرسم إِلى السلطات الوصائية بعد أخذ رأي الجهات المعنية بالنشاط التجاري الذي يمثل مختلف المصالح في المرفأ.
- عندما تطلب السفينة المرشد ترفع علم الإِشارة الدولية الدال على ذلك والمتمثل بحرف (H)، وعندما يصعد المرشد السفينة تستبدل بذلك العلم الإِشارة (P) التي تعني أن المرشد على السفينة.
- تبقى مسؤولية ربان السفينة قائمة في حال ارتكاب المرشد خطأ.
الإِرشاد في المصبات النفطية
يقوم معظم المصبات النفطية (وهي التي تنتهي إِليها خطوط أنابيب تصدير النفط أو استيراده) على شواطئ مراس طبيعية خارج المرافئ، وذلك بسبب تزايد حجوم ناقلات النفط ولاسيما في الثلاثين عاماً الأخيرة (من 35000 - 500.000 طن) وتزايد غاطسها، إِذ صار من المستحيل دخول الناقلات العملاقة مثلاً إِلى رصيف الميناء.
ويقام أمام المصب عدد من المرابط في عرض البحر. ويتألف المربط من عدد من عوامات الربط الراسية فوق القاع تحيط بمأخذ نفطي يكون نهاية خطوط الأنابيب الممتدة في قاع البحر، فترسو الناقلة عند المربط وترتبط على مقربة من المأخذ الذي يوصل بأنابيبها ليبدأ بعد ذلك الشحن أو التفريغ.
يتولى قيادة ناقلة النفط لإِدخالها المربط الذي يخصص لها مرشد من نوع خاص يدعى ربان عمليات الرسو mooring master. وتختلف وظائف ربان عمليات الرسو عن وظائف المرشد المرفئي من النواحي التالية:
- يتولى ربان عمليات الرسو إِضافة إِلى قيادة الناقلة وربطها في مكانها الإِشراف على تحميل الناقلة وتفريغها من حمولتها ومن ثم إِخراجها من مربطها إِلى عرض البحر ليتولى ربانها قيادتها خارج المصب، يكون ربان عمليات الرسو موظفاً لدى شركة النفط المالكة للمصب ويرتبط بالتالي مع الشركة بعقد عمل ويخضع لقانون العمل في وجوه كثيرة.
- تكون المعدات المستعملة لإِرشاد ناقلات النفط وربطها ملكاً للشركات النفطية بما فيها الزوارق التي تحمل ربان عمليات الرسو لاستقبال الناقلة.
- يبقى ربان عمليات الرسو على متن الناقلة منذ استقبالها في عرض البحر حتى مغادرتها المصب.
- تقتضي مؤهلات ربان عمليات الرسو اطلاعاً واسعاً على شروط المحافظة على سلامة ناقلات النفط وذلك لخطورة الغازات القابلة للاشتعال أو للانفجار في أثناء التحميل أو التفريغ.
عوامات الإِرشاد
هي أجسام عائمة ذات مراسٍ تتميز بأشكال وألوان معينة وتوضع في مواقع محددة لتحذير البحارة من الأخطار والعوائق الملاحية أو لتحديد ممرات ملاحية آمنة.
وتختلف أشكال العوامات ما بين أعمدة أو مخاريط أو جذوع أسطوانات. كما تختلف العوامات من ناحية تجهيزها فمنها ذات ناقوس وأخرى ذات صافرة أو جرس أو إِشارة ضوئية معينة، ومنها ذات عاكسات رادارية. والأعمدة منها تكون من الخشب أما الأخرى فتكون من صفائح فولاذية.
أما من ناحية الاستعمال فهناك نظامان: النظام الجانبي وهو للدلالة على محاور القنوات أو الممرات حيث تحدد العوامةُ، تبعاً لشكلها أو لونها أو ترقيمها أو إِشارتها الضوئية، الجهة التي يجب على السفينة أن تتحرك العوامة إِليها بالنسبة إِلى محور تقدمها (على الميمنة أو الميسرة). وتكون هذه العوامات موزعة بالتعاقب المتسلسل للسفينة القادمة من عرض البحر في اتجاه ممر مائي أو قناة أو مرفأ. فمثلاً تترك العوامات الحمراء على ميسرة السفينة الداخلة في ممر مائي والقادمة من عرض البحر والسوداء على ميمنتها.
أما النظام الثاني فهو الرباعي الجهات ويستعمل هذا النظام للدلالة على الأخطار الطبيعية مثل الصخور أو المياه الضحلة أو للدلالة على عوائق ملاحية مثل السفن الغارقة.
وهناك نوع من العوامات التي تفيد البحارة في التقرب بأمان من اليابسة.
هشام أورفه لي
هذا البحث منشور ضمن ( المجلد الأول / العلوم التطبيقية / الزراعة و البيطرة / الإرشاد البحري ) من الموسوعة العربية.