بقلم ربان/ محمد بهى الدين مندور
إنتهينا فى مقال "تخلف صناعة بناء السفن فى
مصر" إلى أن أية مزاعم عن تواجد صناعة مستدامة عالمية ناجحة لبناء سفن
أعالى البحار فى مصر منذ السبعينات وحتى اليوم.. إنما هو لغو. ولنترك
الماضى لكى نتعرف فى لمحة سريعة فى هذا المقال على: أولاً.. حجم إنتاج
العالم حولنا فى صناعة بناء وإصلاح السفن لكى نحدد مستوانا عالمياً ,
وثانياً.. الرؤى المستقبلية للإدارة الجديدة لترسانة الإسكندرية, وثالثاً..
التعرف على عناصر صناعة بناء السفن وماذا نملك منها .ومحصلة هذه المعلومات
هى الأرضية التى سننطلق منها لإبداء الرأى فى مستقبل هذه الصناعة فى مصر.
العالم حولنا
نبدأ فى لمحة سريعة بأرقام عن عالم بناء السفن
حولنا حتى لا يبقى القارئ المصرى أسيراً لجخ ولتصريحات بمب فشنك ما زال
يطلقها مسئولون وغير مسئولين . لم يتجاوز إجمالى حمولة سفن أعالى البحار
التى تم بناؤها فى ترسانة بورسعيد على مدى 23 عاماً , على نحو ستين ألف طن
. وفى ترسانة الإسكندرية على نحو ثلاثمائة ألف طن على مدى 40 عاماً .
ومجموع إنتاج الترسانتين معاً لم يتجاوز أربعة مائة ألف طن على نحو أربعين
سنة ..عجاف. قارن هذا الرقم الهزيل بأرقام إنتاج ترسانات العالم فى عام
2007 : كوريا الجنوبية عشرين مليون طن,اليابان سبعة عشر مليون طن ,الصين
عشرة ملايين طن,أوروبا أربعة مليون طن , وبقية دول العالم نحو خمسة ملايين
طن , وبذلك يكون إجمالى ما أنتجته ترسانات العالم فى عام واحد هو نحو واحد
وخمسين مليون طن. أيضاً لم يتجاوز مجموع إيرادات صناعة بناء سفن أعالى
البحار فى مصر على مدى نحو أربعين سنة , بضعة مئات ملايين من الدولارات .
وقد حققت فيتنام الناشئة من صناعة بناء وإصلاح السفن عام 2008 نحو خمسة
مليار دولار فى سنة واحدة بينما لم تتجاوز إيرادات صناعة إصلاح السفن فى
مصر عام2010 مبلغ 125 مليون دولار . قارن ذلك بأربعة مليارات دولار حققتها
سنغافورة من صناعة إصلاح السفن فى نفس العام – المهندس "وائل قدور" فى
عالم المال 17/7/2011 .
عناصر صناعة بناء السفن وماذا نملك منها
تتوزع التكلفة التقريبية لمكونات صناعة بناء
السفن بوجه عام على : بدن السفينة ويمثل نحو 40% والآلات الرئيسية
والمساعدة 40% والعمالة 10% والمصروفات الإدارية الأخرى 10% . وفيما يلى
نبذة سريعة عن مدى توفر مكونات صناعة بناء سفن أعالى البحار فى مصر . أولاً
: بدن السفينة وأهم مكوناته ألواح صلب بمواصفات خاصة وبأبعاد قياسية تصل
إلى نحو 4.5x 22 متراً . والشركة الوحيدة فى مصر التى يمكنها إنتاج صلب
بناء السفن هى" شركة الحديد والصلب" بحلوان ولكن بأبعاد 1.5x 6 متر وأيضاً
بصفة غير منتظمة. وملخص ذلك أنه لا يوجد فى مصر أية إنتاج منتظم لألواح
صلب بناء السفن . وكان يمكن أن يساهم مصنع "شركة الصلب المخصوص" فى إنتاج
مسطحات صلب سفن أعالى البحار ولكن كان ذلك قبل تحوله إلى إنتاج حديد
التسليح بعد إنسحاب المستثمر السعودى . والسؤال العابر هنا : لماذا إنسحب
المستثمر السعودى..؟.إسألوا د.م.عزت معروف خبير صناعة الحديد والصلب فى
العالم العربى .ثانياً : الآلات الرئيسية والمساعدة وآلات السطح كلها
مستوردة . ثالثاً : باقى مكونات السفينة تعتمد على وجود صناعات مغذية
وتكميلية يصل عددها إلى نحو عشرة آلاف صناعة متوسطة وصغيرة لا يتوفر منها
فى مصر إلا نحو بضعة عشرات الصناعات على أحسن تقدير. رابعاً :على مر نحو
نصف قرن وحتى كتابة هذه السطور تنعدم فى مصر القدرات الهندسية لتصميم
بناء سفن أعالى البحار سواء فى الترسانة أو فى جامعة الإسكندرية , إلا أن
هذا المكون لم يعد عائقاً بعد التوسع فى إستخدام برامج الكومبيوتر فى
تصميمات بناء السفن . خامساً: أما أهم المدخلات فى صناعة بناء السفن – بل
وغيرها من الصناعات – فهى العمالة الماهرة..وتقاس إنتاجية عامل بناء السفن
بمتوسط عدد الساعات اللازمة لتصنيع طن صلب واحد فى بدن السفينة : اليابان
تسعة ساعات,أسبانيا 12ساعة,كوريا الجنوبية 18 ساعة,الصين 55 ساعة .المصدر:
"كلاركسون إنجلترا" .أما فى مصر فهو 101(مائة وواحد) ساعة . المصدر: ترسانة
الإسكندرية فى تقرير المكتب الإستشارى الهندى مايو 2010 .أما الرقم
الواقعى فلا يقل عن نحو 400 ساعة . إن إنتاجية العامل المصرى فى صناعة بناء
السفن هى فى أدنى المستويات العالمية مقارنة بالعامل الصينى أو التركى أو
الفيتنامى أو الماليزى. ناهيك عن العامل اليابانى أو الكورى أو الأوروبى.
وهنا أود أن أنبه إلى أن البحوث الأوروبية في القرن الواحد والعشرين هي
التي أدخلت اللحام الأتوماتيكى Automatic welding لألواح صلب بناء السفن
فى ترسانات أوروبا . وقد أحدثت تلك التقنية ثورة في صناعة بناء السفن كماً
وكيفاً . وكان ذلك أحد الأسباب الرئيسية للتفاوت الشديد بين إنتاجية
العامل المصرى فى صناعة بناء السفن وبينها فى ترسانات أوروبا ودول الشرق
الأقصى.
رؤى الإدارة الجديدة لتطوير ترسانة الإسكندرية
بتاريخ 22/1/2011 نشرت مجلة "الأهرام العربى"
مقالاً بعنوان :" ترسانة الإسكندرية تنفض الغبار وتنطلق نحو العالمية ".
وجاء فى متن المقال : " ذكر رئيس الترسانة أنه بنهاية المرحلة الثانية
لتطوير الترسانة والتى بدأت فى مطلع العام الحالى وتستمر حتى عام 2014 ,
تكون ترسانة الإسكندرية أصبحت منافسا قوياً لغيرها من ترسانات السفن فى
العالم " .
وجاء فى كلمة رئيس الترسانة بمناسبة الإحتفال
بتدشين السفينة "الحرية 3" فى 27/12/2010 : "أن المرحلة الرئيسية من
التطوير تأتى لوضع الشركة فى مصاف الترسانات الكبرى لتضاهى أقرانها فى
الدول الرائدة فى هذه الصناعة الهامة وبما يمكنها من تصميم وبناء وتجهيز
كافة السفن التجارية حتى سفن الصب 57 ألف طن . وزيادة القدرة الإنتاجية
للترسانة من4000 طن صلب إلى 40000 ألف طن صلب سنوياً ويعادل ذلك تقريباً
بناء ثلاثة سفن حمولة 57000 طن وعدد ثلاثة سفن حمولة 20000 طن بإجمالى
حمولات تصل إلى 231000 طن صلب سنوياً. وإذا نجحت الترسانة فى تحقيق هذا
الهدف بالسعر المناسب للسوق , فسيكون ذلك نجاحاً غير مسبوق فى تاريخ
الترسانة ليضعها فى مصاف الترسانات المتوسطة .
البحث عن إستراتيجية مناسبة
من العبث البحث عن إستراتيجية مناسبة لمستقبل
صناعة بناء السفن في مصر بدون دراسة التغييرات التقنية والإقتصادية
والتنظيمية التي توالى تأثيرها على هذه الصناعة العالمية بعد الحرب
العالمية الثانية . وقد واجهت كل من أوروبا وأمريكا هذه التغييرات
بإستراتيجيتين مختلفتين . إستمر إحتلال أوروبا وأمريكا لمراكز الصدارة في
صناعة بناء السفن حتى منتصف القرن الماضى إلى أن أدت طفرات التقدم
التكنولوجي المذهل بعد الحرب العالمية الثانية , إلى زيادة الطاقة
الإنتاجية للترسانات وتزامن ذلك مع إضطراد تزايد تكلفة العمالة الماهرة في
أوروبا وأمريكا مما أدى إلى إنتقال مركز ثقل هذه الصناعة- كصناعة
إستراتيجية - في الخمسينات والستينات إلى اليابان. ثم إنتقلت في السبعينات
إلى القطاع الخاص في كوريا الجنوبية ثم إلى الصين - أيضا كصناعة إستراتيجية
- ولكن كشركات حكومية. أيضاً أدى زيادة الطاقة الإنتاجية للترسانات
العالمية وإنخفاض الطلب على السفن إلى تدهور الأسعار فأغلقت ترسانات كثيرة
أبوابها .
فى أمريكا إستمرت الترسانات في تلقى أوامر
بناء السفن الحربية من وزارة الدفاع . أما بالنسبة للسفن التجارية فقد صدر
ما يعرف بقانون جونز" “The Jones Act لدعم بناء السفن التجارية التي ترفع
العلم الأمريكي فى الترسانات الأمريكية Shipbuilding subsidy مع ربطها
بإعانة تشغيل لتلك السفن operating subsidy . أدت هذه الإستراتيجية
الحمائية مرحلياً إلى إستمرار بناء السفن التجارية فى الترسانات الأمريكية
ولكن بأسعار تزيد على الأسعار العالمية . وفى النهاية أدى الخلل فى
إقتصاديات بناء وتشغيل السفن إلى تخلف الترسانات الأمريكية والأسطول
التجاري الأمريكي معاً وتراجع الأسطول الأمريكي ليحتل المرتبة السابعة
عالميا عام 2009 ... وكأننا نتحدث عن مصر؟!.
أما أوروبا فلم تكابر وإنما واجهت الواقع
بإتخاذ إستراتيجية مغايرة للإستراتيجية الأمريكية تلخصت في الإحتفاظ
بصناعة بناء السفن الحربية في الترسانات الأوروبية وكذلك الإحتفاظ ببناء
السفن التجارية ذات الطابع المتميز كسفن الركاب العملاقة وسفن الغاز المسال
والسفن الكراكة وسفن الخدمات البترولية ذات الطابع الخاص ..الخ . ولتحقيق
هذا الهدف رفعت أوروبا كفاءة ترساناتها بتطوير تقنيات بناء الأقسام سابقة
التجهيز Prefabricated Sections وبناء قطاعات جسم السفينة فوق سطح الماء
كاملة خارج القزاقات Slipways وأحواض البناء ثم نقلها برافعات عملاقة
لتثبيتها فى مكانها على بدن السفينة , ويعرف ذلك ببناء القطاعات Block
Construction. وقد كانت الترسانة الفرنسية "ألستوم أطلانتيك" هي أول من
إستخدم هذه التقنية في بناء سفينة الركاب "كوين مارى2 " عام 2002 كأكبر
سفينة عابرة للمحيطات آنذاك بحمولة كلية نحو 151 ألف طن كلية وعدد نحو 3000
راكباً وذلك فى مدة أقل من سنة ونصف ، إلى أن قامت عام2007 ترسانة "ستكس"
في "توركو" بفنلندا، ببناء السفينة M/S Oasis of The Seas كأكبر سفينة
ركاب في العالم بحمولة كلية نحو 225 ألف طن كلية ووعدد نحو 6000 راكباً
وذلك فى مدة سنتين. . وهذه الترسانة تملكها شركة “STX” الكورية لبناء
السفن. خلاصة القول أن أوروبا التى كانت هى مهد صناعة بناء السفن فى العصر
الحديث , لم تكبل نفسها بالأفكار التقليدية ولم تقاوم إنتقال مركز ثقل
صناعة بناء السفن كصناعة استراتيجية ثقيلة إلى الدول الآسيوية وإنما واجهت
التحدى بأن إحتفظت ببناء السفن التجارية ذات الطابع الخاص التى تتطلب
تكنولوجيا متقدمة كتقنية الروبوت وتقنية اللحام الأوتوماتيكى الذى كان نتاج
إشتراك سته مؤسسات أوروبية : مركزان للأبحاث وثلاثة جامعات وشركة متعددة
الجنسيات تعمل فى بناء السفن, فخرج مشروع SHIPWELD إلى حيز التنفيذ فى
القرن 21 . وقد حفز نجاح هذه الإستراتيجية إلى تصدير الصناعات المستهلكة
للطاقة والملوثة للبيئة كصناعات الأسمنت وأسود الكربون والأسمدة وحديد
التسليح إلى الدول المتخلفة لا سيما تلك القريبة من أسواقها .
إستخلاص إستراتيجية صناعة بناء السفن في مصر..؟!
وهنا نتوقف لنطرح السؤال المحوري: ما هي
إستراتيجية ترسانة الإسكندرية..؟! بل ما هي إستراتيجية صناعة بناء سفن
أعالى البحار في مصر بعد سيطرة وزارة الدفاع علي ترسانة الإسكندرية ؟! ..
أمام هذه الترسانة إحدى إستراجيتين : الأولى بناء السفن التجارية والحربية
معاً فى ترسانة واحدة . وهذا يعنى صعوبة فرض رقابة حقيقية على حسابات
تكاليف بناء السفن التجارية بحكم إدراج ميزانيتها فى الميزانية الحكومية
لوزارة الدفاع . أما الإستراتيجية الثانية فترتكز على إنشاء ترسانة حديثة
فى خليج أبوقير- مثلاً - ليقتصر إنتاجها على السفن الحربية . ثم تطرح
مناقصة عالمية لإختيار مكتب إستشاري عالمي متخصص لإبداء الرأي في مستقبل
الترسانة بميناء الإسكندرية ولتحديد أنواع سفن البحرية التجارية التى
يمكن بنائها بكفاءة لتلبية إحتياجات السوق بالسعر المناسب ولتسليمها فى
الوقت المناسب وبميزانية شفافة مستقلة عن ميزانية وزارة الدفاع , حتى وإن
بقيت الترسانة تابعة لها . كلمة أخيرة ..نرى أن يكون إختيار المكتب
الإستشاري بعيداً عن ضغوط المكاتب الإستشارية لأساتذة الجامعة والوزراء
السابقين إذ لا يوجد في مصر من يستطيع أن يقوم بهذه الدراسات لا فى السوق
ولا فى جامعة الإسكندرية . وأيضاً بعيداً عن نفوذ مكتب "ماكينزى" ومكتب
"بوز آلان آند هاملتون" الأمريكيين فهما غير متخصصين فى الإستشارات البحرية
.
ما سبق كان رأى كاتب المقال لما يمكن أن نسميه
إستراتيجية تغيير.. إستراتيجية ديناميكية .. إستراتيجية مشاركة .. تتلاقح
فيها أفكار حيه جديدة بمعزل عن المصالح الشخصية لكي تنتشل صناعة بناء سفن
أعالى البحار من المياه الآسنة الراقدة فيها. .إن الأفكار هى وقود أى
(بيزنس) . وبالله عليكم كفى كلاماً عن العالمية وبناء المصريين وسواعد
المصريين عندما نخاطب الرأي العام , بينما الدول التي كانت متخلفة عن مصر
في الستينات , سبقتها إلى العالمية بجد. وعلى كل فإن هذا لن يمنع فيما يلى
من أن أساهم بجهد المقل بأفكار حول الحلول التقليدية لترسانة الإسكندرية
, مع التنويه إلى أنني لا أحبذ الحلول التقليدية للإنطلاق بأزمة بناء سفن
أعالى البحار فى مصر خارج فلك الدائرة المعيبة التى ما زالت تدور فيها
منذ ستينات القرن الماضى .
الحلول التقليدية لترسانة الإسكندرية..
يمكن لترسانة الإسكندرية أن يرتكز إنتاجها
الرئيسى على محورين .. الأول بناء السفن والثانى إصلاح السفن . وعملاء بناء
السفن هما : القوات البحرية و القطاع المدنى . القوات البحرية عملاء بناء
السفن الحربية كالمدمرات وسفن الحراسة وسفن مكافحة الغواصات والسفن
المساعدة ولنشات الصواريخ فائقة السرعة..الخ. ومع تبعية ترسانة الإسكندرية
لوزارة الدفاع فربما سيغض الطرف عن إقتصاديات البناء ومواعيد التسليم.
سفن الروافد Feeders
أما فى القطاع المدنى فهناك مجالان: الأول بناء
سفن الروافد Feeders بطاقة نحو750/1000 حاوية مكافئة لنقل حاويات
الترانزيت من ميناء شرق بورسعيد إلى موانى البحر المتوسط والبحر الأسود.
ومن المتوقع أن يصل عدد تلك الحاويات عام 2012 إلى نحو خمسة ملايين حاوية
لتحقق نحو مليار ونصف المليار دولار . وفى الوقت الحاضر تحتكر السفن
المملوكة للأجانب معظم هذا النشاط . ويحاول القطاع الخاص فى التوكيلات
الملاحية دخول مجال ال Feeders ولكن على استحياء . والقطاع الخاص غير ملزم
ببناء سفناً جديدة بل يفاضل بين سياسة بناء سفنا جديدة أو سياسة تأجير
السفن المستعملة بغرض الشراء .و قد تكون السياسة الأخيرة هى الأنسب حسب
ظروف السوق . وهنا نطرح فكرة : لماذا لا تعفى هذه السفن من الضرائب ؟!..بل
لماذا لا تنشئ وزارة النقل صندوقاً لدعم بناء تلك السفن فى ترسانة
الإسكندرية ولدعم تشغيلها بين الموانئ المصرية والأجنبية وذلك على غرار
صندوق دعم الصادرات؟!. والسؤال من أين؟!. والجواب ..بسيطة ..!!.. من حصيلة
غرامات الحمولات الزائدة التى تفرضها هيئة الطرق والكبارى منذ سنوات طويلة
على الشاحنات بدعوى إصلاح وصيانة الطرق. ولا تقل الحصيلة السنوية لهذه
الغرامات عن سبعمائة وخمسين مليون جنيه سنوياً تدخل نسبة منها إلى
الميزانية العامة والباقى يلهفها وزيرى النقل والداخلية وكبار الضباط
ورؤساء هيئات الموانى وموظفو هيئة الطرق والكبارى . .الخ. والسؤال الذى
يفرض نفسه هنا هو : هل تم وقف هذا العبث بعد 25 يناير ؟!.
قطاع الغاز والبترول
والمجال الثانى فى القطاع المدنى هو الإستفادة
من نشاط إستخراج الغاز من البحر المتوسط قبالة الساحل الشمالى. وذلك ببناء
وحدات الخدمات البترولية البحرية كسفن الإمدادات Supply Vessels وسفن
الإمدادات والقطر وأعمال المخاطيف Anchor Handling Tug Supply Vessels
.وبناء الإنشاءات المعدنية كمنصات الإنتاج Production Platforms ومنصات
الإعاشة والحفارات البحرية Semi Submersibles فى مرحلة متقدمة ..الخ .
ولن تنجح الترسانة فى إقتحام القطاع المدنى إلا إذا كانت أسعار السفن و
أسعار تلك الإنشاءات مناسبة ومنافسة مع الإلتزام بمواعيد التسليم التى
يتعاقد عليها.. بانضباط. . ولن يتسنى ذلك إلا بالإشتراك مع ترسانات عالمية
فى الصين أوكوريا الجنوبية أو سنغافورة ..الخ . وكل ذلك بشرط تحديث معدات
الترسانة ورفع إنتاجية عمالها وتصحيح نسبة الياقات الزرقاء إلى الياقات
البيضاء ..ولن يتم ذلك إلا بشرط أن تتصف الإدارة العليا للترسانة بالخبرة
الفنية وبالقدرة الإدارية وبالأمانة و بالشفافية .. وبالتخلى عن جخ
"العالمية" و"بناء السفن العملاقة" إستخفافاً بالقارئ المصرى المهتم
ومحافظة على سمعة مصر عالميا.
إصلاح السفن
أما المحور الثانى فهو إصلاح السفن. فشلت
ترسانتا هيئة قناة السويس فى بورسعيد والسويس على مر نحو نصف قرن فى جذب
السفن الأجنبية للدخول الاختيارى المنتظم لإجراء إصلاحات فى الترسانتين
وذلك رغم التشدق بعبقرية المكان وبمرور نحو 22 ألف سفينة سنويا حاملة نحو
10% من التجارة العالمية ...الخ.
فى عام 1999 أسست شركة بين ترسانة السويس وبين
ترسانة "أودينس" الدنمركية - إحدى شركات مجموعة "أ.ب. موللر العالمية"-
بغرض إصلاح السفن التى تمر فى قناة السويس والبحر الأحمر. وكان م.على والى
وزير البترول الأسبق يمثل ترسانة "أودينس . قامت الشركة بشراء حوض عائم
مستعمل بنحو15 مليون دولار من ترسانة ألمانية أغلقت أبوابها . والحوض بقدرة
رفع 55 ألف طن ويستطيع إستيعاب سفينة حمولتها مائتين وعشرين ألف طن وزنى .
لم تنجح الشركة فباعت الشركة الدنمركية حصتها فى الحوض إلى هيئة قناة
السويس . ويستقبل الحوض العائم الوحدات البحرية العامله فى البحر الأحمر
وخاصه السفن السعوديه واليمنيه كما يستقبل السفن التى تمر فى قناة السويس
والتى قد تضطر إلى إجراء إصلاحات عاجلة مؤقتة فى السويس لتتجه بعدها إلى
دبى أو البحرين لإجراء الإصلاحات الدائمة .واليوم 27/7/2011 نشرت جريدة
الأهرام بالصفحة الأولى خبر :"غرق الحوض العائم فجأة أمس بسبب إنخفاض
التيار الكهربائى. وتقدر الخسائر الأولية بنحو مائة مليون جنيه. وجارى
انتشال الحوض" .
ويرى المهندس "وائل قدور" ر.م.ا. ترسانة السويس
السابق أن إنقاذ هذا الفيل الأبيض لن يكون إلا بضم الرصيف والورش القديمة
لهيئة موانى البحر الأحمر (الفنارات) إلى ترسانة السويس لتحويلها إلى ورش
إصلاح حديثة لتكمل الحوض. وإذا ماتنفذ ذلك , فمن المتوقع أن تتفوق على
ترسانة الإسكندرية المحاطة بشركات إصلاح سفن متفوقة عليها فى البحر
المتوسط.
أين..ومن المسئول ؟!!
فى نهاية هذا المقال نطرح تساؤلين : الأول : من
هو المسؤل الذي لديه الصبر والوقت ليناقش وليضع موضع التنفيذ توصيات دراسة
الجدوي التى أجراها المكتب الإستشاري الهندي فى مايو 2010 عن بناء وإصلاح
السفن فى مصر والتي مازالت ملقاة باللغتين الإنجيليزية والعربية في أدراج
وزارة الصناعة منذ أكثر من عام.. ؟! .
والتساؤل الثانى : من هى الجهة المسؤلة عن
إستراتيجية صناعة بناء السفن في مصر؟! . هل هو وزير الصناعة المسئول عن
هيئة التنمية الصناعية أم هو وزير الدفاع الذي تتبعه ترسانة الإسكندرية أم
هو رئيس الوزراء المسئول عن ملف المشروعات القومية الكبرى التى يتضمن
إحداها إنشاء ترسانات بناء وإصلاح سفن فى بورسعيد والسويس أم هو إتحاد
الصناعات المصرية الذى طلب منه وزير الصناعة السابق إعداد تصور لتحديد
الصناعات الثقيلة (13/7/2011) أم هو الدكتور السلمى الذى صرح بأن دوره
المكلف به هو إحياء قطاع الأعمال العام-الأهرام 20/7/2011 ..؟!.. أم نتجمد
فى إنتظار أن تخرج مصر من إرهاصات ولادة الثورة السياسية.. ؟! . حفظ الله
أرض الكنانة من شر كل ذى شر هو آخذ بناصيته..ولعن الله من قال أعرف وهو لا
يعرف.. و لك الله يا مصر.